ولد فى مدينة الرى بفارس جنوبى طهران عام 854 ميلادى ، وتلقى علومه فى بغداد ، وعمل بها حتى مات عام 932 ميلادى ، واشتهر بعلوم الطب والكمياء ، وكان من الطبيعى أن يجمع بينهما ، عندما راح يصف الدواء لكل داء ، ويعتبره المؤرخون من أعظم أطباء القرون الوسطى ، ويقول عنه صاحب الفهرست ( كان الرازى أوحد دهره ، وفريد عصره ، قد جمع المعرفة بعلزم القدماء سيما الطب ) .
ظهر فى أيام الخليفة العباسى عضد الدولة ، وكان مجلسه من العلماء والحكماء ، فأستشاره عندما أقدم على بناء مستشفى أو مصحة ( العضدى ) فى بغداد ، لأختيار الموقع الملائم الذى يجب أن تبنى فيه المصحة التى أطلق عليها أسم البيمارستان والمستشفى القمرى حسب تعريفنا الحديث
أهم أعماله :-
سلك الرازى ، ابتغاء أختيار موقع المصحة ، طريقة مبتكرة ، هى محل أعجاب وتقدير الأطباء حتى يومنا هذا ، وتتلخص تلك الطريقة ، فى أنه عمد الى وضع بعض قطع اللحم فى أنحاء مختلفة من بغداد ، وراح يلاحظ سرعة سير التعفن فيها ، وبطبيعة الحال ، كانت أنسب الأماكن من حيث نقاء الجو واعتداله ، هى أقلها فاعلية فى سير التعفن ، وعلى هذا النحو ، تحقق من المكان الصحى المناسب لبناء المصحة ، ويلاحظ ان هذا العمل تضمن اجراء تجربة استخدم فيها الرصد .
وعندما أراد عضد الدولة الخليفة العباسى ، أن تضم هذه المصحة جماعة من أفضل الأطباء المرموقين آنئذ ، أمر بأن يحضروا له قائمة بأسماء الأطباء المشهورين ، فزاد عددهم عن المائة ، ولكنه أختار منهم خمسين طبيبا ، على قدر ماوصل الى علمه من مهارتهم فى صناعة الطب ، وكان الرازى على رأسهم ، ولما أقتصر العدد على عشرة أطباء فقط ، كان الرازى منهم ، وأخيرا عندما أختار ثلاثة فقط ، كان الرازى واحدا منهم ، ووقع عليه الاختيار لأن يدير المستشفى العضدى ، وهكذا أدار ذلك المستشفى ، متخذا منه مجالا للبحث والدراسة والتأليف .
وقد تميز الرازى بوفرة الأنتاج العلمى ، حتى أربت مؤلفاته على المائتين والعشرين مخطوطة ، ضاع معظمها بفعل الانقلابات السياسية فى الدول العربية ، ولم يصلنا منها سوى النذر اليسير الموجود الآن بمكتبات الغرب .
ولقد اشتهرت مؤلفاته بعلوم الطب ، اذ تقدم هذا العلم على يديه ، كما أنه تحدث عن طرق العلاج ، وضمن كتبه ماتم نقله من علوم الأغريق والهند ، وعلق عليها بآرائه وبحوثه المبتكرة ، وملاحظاته التى تدل على النضج والنبوغ .
ومن أظهر مايلاحظ فى مؤلفاته ، صفة العالم الأمين ، الذى ينسب كل شىء ينقله الى قائله ، ويرجعه الى مصدره ، أو مرجعه الأصيل ، ولقد سلك مسلكا علميا سليما ، فأجرى التجارب ، واستخدم الرصد والتتبع ، مما جعل لأعماله فى الكمياء قدرا مرموقا ، حتى أن بعض علماء الغرب اليوم ، يعتبرونه مؤسس الكمياء الحديثة فى كل من الشرق والغرب على السواء ، وقد طبق معلوماته فى الكمياء على الطب ، واستخدم الأجهزة وصنعها .
ويظهر فضل الرازى فى الكمياء بصورة واضحة جلية ، عندما عمد الى تقسيم المواد المعروفة فى عصره الى أربعة أقسام :-
1- المواد المعدنية .
2- المواد النباتية .
3- المواد الحيوانية .
4- المواد المشتقة .
كما قسم المعدنيات الى طوائف ست ، بحسب طبائعها وصفاتها ، وحضر بعض الحوامض ، ومازالت الطرق التى سلكها فى سبيل تحضيرها مستخدمة حتى الأن ، وهو أول من ذكر حامض الكبريتيك ، وقد أطلق عليه اسم ( زيت الزاج أو الزاج الأخضر ) ، وعن كتبه نقل الأجانب وعلى رأسهم ( ألبير الكبير ) الذى سماه كبريت الفلاسفة .
وحضر الرازى فى معمله ، بعض الحوامض الأخرى ، كما أستخلص الكحول ، بتقطير مواد نشوية وسكرية مختمرة ، وكان يستفيد منه فى الصيدلية ، بشأن استباط الأدوية وأنواعها ، حينما راح يدرس الطب فى مدارس بغداد ومدينة الرى ، وأول من نقل عنه طريقة تحضير الكحول هو ارنو دوفيلينيف ، وقد عمم استعماله فى القرن الثالث عشر ، وبعد مدة طويلة من الزمن ، جاء لافوازييه وسلك الطريق الواضح ، وأتى بالتعاريف الصحيحة .
وفى مجال علوم الفيزياء ، اشتغل الرازى بتعيين الكثافات النوعية للسوائل ، وصنف لقياسها ميزانا خاصا ، أطلق عليه اسم ( الميزان الطبيعى ) .
ولمس الرازى فى دراسة الطب ، أثر العوامل النفسية فى العلاج ، فهو يقول ( أن مزاج الجسم تابع لأخلاق النفس ) .
فلسفته :-
مجد العقل ومدحه ، وتحدث عن ذلك طويلا فى كتبه ( الطب الروحانى ) فقد اعتبر العقل أعظم نعم الله ، وأرفعها قدرا ، اذ به ندرك ماحولنا .
وبالعقل استطاع الأنسان ان يسخر الطبيعة لمنفعته ، وبه يتميز الأنسان على سائر الحيوانات ومن أقواله عن العقل :-
( أن لانجعله وهو الحاكم محكوما عليه ، ولا وهو الزمام مزموما ، ولا وهو المتبوع تابعا ، بل نرجع فى الأمور اليه ، ونعتبرها به ، ونعتمد فيها عليه ، ولا نسلط عليه الهوى الذى هو آفته ومكدوره ، والحائد به عن سننه ومحجته ، وقصده واستقامته ، بل نروضه ، ونذللة ، ونحوله ، ونجبره عن الوقوف عند أمره ونهيه …..)
وينسب الرازى الشفاء الى آثار التفاعلات الكميائية فى أجسام المرضى .
مؤلفاته :-
ألف مايربو على المائتين والعشرين كتابا ، منها مما وقع فى أيدينا ولم تندثر معالمه :-
1- الطب الروحانى .
2- سر الأسرار .
وقد ذكر فيه المنهاج الذى يسلكه فى اجراء التجارب ، حيث كان يبدأ بوصف المواد التى يستخدمها ، ثم الأدوات والآلات التى يستعملها ، ومن بعد ذلك يصف الطريقة التى يتبعها فى تحضير المركبات .
وفى هذا الكتاب يصف الرازى مايزيد على عشرين جهازا ، بعضها مصنوع من الزجاج ، وبعضها الأخر من المعدن ، تمام كما نصف الآلات والأجهزة فى كتبنا العلمية فى هذا العصر وشرح تركيبها .
3- الحاوى .
وهو من أعظم كتب الطب التى ألفها ، ويتكون الكتاب من قسمين الأول منها يبحث فى الأقرباذين ، والثانى يبحث فى ملاحظة سريرته ، ويتعلق بدراسة سير المرض مع العلاج المستعمل ، وتطور حالة المريض .
4- الأسرار فى الكمياء .
وكان هو المرجع المعول عليه فى مدارس أوروبا مدة طويلة .
5- كتاب نفيس فى الحصبة والجدرى .
وهو من روائع الطب الأسلامى ، عرض فيه أعراض المرض ، والتفرقة بين كل منهما .
6- كتاب من لا يحضره الطبيب .
ويعرف بأسم طب الفقراء ، وقد شرح فيه وسائل معالجة المرض فى غياب الطبيب ، والأدوية الموجودة والشائعة فى كل مكان .