اسمه داود الأنطاكى ، نسبة إلى أنطاكية مهبط رأسه ، وله عدة ألقاب ، منها الحكيم الماهر ، الفريد ، الطبيب الحاذق الوحيد ، والعالم الكامل ، ظهر فى القرن العاشر الهجرى ، واشتغل بصناعة الطب ، وتعميمه ، وهو صاحب ( تذكرة داود ) ، التى لاتزال تدرس فى كثير من كليات الصيدلة والطب إلى يومنا هذا ، خصوصا فى مجال العقاقير النباتية .
مدرسته :-
تميز بدراسة وسائل العلاج الطبى ، ووصف سائر أنواع الدواء الصالح لكل داء ، وألف فى هذا الشأن كتابه المشهور عرفا بأسم تذكرة داود .
بحث فى العلوم الطبيعية ، وعلاقة الطب بها ، كما تعرض لما يتحكم فى الأفراد من قوانين ، وتركيب ومركبات ، ومايتعلق بها من اسم ، ومرتبة ، وماهية ، ونفع وضر .
ونجده يقول عن العلم : كفى بالعلم شرفا أن كلا يدعيه ، وكفى بالجهل ضعة أن الكل يتبرأ منه ، والإنسان إنسان بالقوة قهرا ، إذا لم يعلم ، فإذا علم ، كان إنسانا بالفعل .
كما نجده يقول عن علم الطب : إنه كان من علوم الملوك ، يتوارث فيهم ، ولم يخرج عنهم خوفا على مرتبته ، وقد عوتب أبقراط فى بذله الطب للأغراب فقال : رأيت حاجه الناس إليه عامة ، والنظام متوقف عليه .
والحق أنه فى الحضارات القديمة ، كانت صناعة الطب تكاد تقتصر على الكهنة ، ثم تخصصت فيها جماعات من المستغلين كاليهود ، ويروى داود الأنطاكى قصته مع علم الطب فيقول : فإننى حين دخلت مصر ، ورأيت الفقيه الذى هو مرجع الأمور الدينية ، يمشى إلى أوضع يهودى للتطبيب ، عزمت على أن أجعله أى علم الطب كسائر العلوم ، يدرس ليستعين به المسلمون ،فكان كذلك .
ويقول أيضا عن صناعة الطب : ينبغى لهذه الصناعة الإجلال والتعظيم ، والخضوع لمتعاطيها ، لينصح فى بذلها ، وينبغى تنزيهه عن الأرازل ، والضن به على ساقطى الهمه ، لئلا تدركهم الرذالة عن واقع فى التلف فيمتنعون ، أو فقير عاجز فيكلفونه ماليس فى قدرته .
ومن أظهر ماذهب إليه داود الأنطاكى فى أختيار من يعلمهم العلم قوله : لمزيد حرص القدماء على حراسة العلوم وحفظها ، أتفقوا على ألا تعلم إلا مشافهة ، ولاتدون لئلا تكثر الأراء ، فتذبل الأذهان عن تحريرها اتكالا على الكتب .
رسم حدود علم الكيمياء ، والفلك ، والفقه ، وبين أغراض كل علم ، ومزاياه ، ومرماه ، وقال إنه لما انتقلت صناعة الطب إلى المسلمين ، كان الرواد فى هذا المجال هم أمثال : زكريا بن محمد الرازى ، وابن سينا ، وابن الأشعث ، والشريف ، وابن الجزار ، وابن الدولة ، وابن البيطار ، وابن الصورى ، وغيرهم كثير .
خطته فى البحث والعلاج :-
كانت خطته فى البحث والعلاج ، تتكون من قواعد عشر هى :
1- إذ كان يذكر الأسماء بمختلف الألسن بمعنى اللغات .
2- ثم الماهية .
3- ثم الحسن .
4- والردىء .
5- ويذكر الدرجة فى الكيفيات الأربعه .
6- ثم المنافع فى سائر أعضاء الجسم .
7- ثم كيفية التصرف فيه مفردا أو مع غيره .
8- ثم مايصلحه .
9- ثم المقدار .
10- ثم مايقوم مقامه إذا فقد .
ويعقب بعد ذلك بذكر الفترة التى يقطع بعدها الدواء ، ويدخر حتى لايفسد ، ثم موطن ذلك الدواء ، ومكان الحصول عليه ، والظاهر أنه على قدر معرفة الناس العامة والخاصة فى تلك الحقبة من الزمان ، شايع داود العامة فى بعض وصفاتهم التى لايقرها الذوق السليم ، ولاتتمشى مع العلم الحديث ، ولكن هذه الناحية يمكن أن تغفر له ، بالنسبة إلى ما أداه لعلم الطب العلاجى من خدمات جليلة .
أشهر مؤلفاته :-
من أشهر مؤلفاته التى وصلت إلينا ، كتاب نفيس يعرف بإسم تذكرة داود ، وهو يضم نحو سبعمائة صحيفة من القطع الكبيرة ، بعنوان ( تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب ) ، ويعتبر من نفائس التراث الإسلامى الذى تفخر به المكتبة العربية القديمة.