لعلكم جميعا تعرفون الأسطورة الإغريقية التى تحكى كيف أن إيكاروس Icarus وأباه حاولا الهرب من غياهب ومتاهات المينوتور الكريتى Cretan Minotaur ، وذلك بالأستعانه بأجنحة ضخمة ثبتاها فى موضعها بالشمع ، وكيف أن إيكاروس إستطاع الطيران حتى كاد يقترب من الشمس ، وكيف أن حرارتها أذابت هذا الشمع ، فهوى إيكاروس من عليائه إلى البحر ، ولقى حتفه غرقا .
هذه الأسطورة إن هى إلا واحدة من بين كثير غيرها من الأساطير والخرافات القديمة التى تعبر عن الرغبة الشديدة التى كانت تتملك الإنسان فى أن يطير .
وفى كل هذه القصص والتجارب ، نجد أن خيال الإنسان قد أثاره منظر الطيور وهى تجوب أجواء الفضاء ، إلى أن أوصله هذا الخيال إلى الحقيقة ، فتمكن من إختراع الطائرة ، أو بعبارة أخرى إمكانية طيران الأجسام الأثقل وزنا من الهواء ، غير أن أختراع الطائرة قد سبقه إختراع البالون Balloon ، أو الطيران بما هو أخف وزنا من الهواء ، ومن وقت إلى آخر ، كانت تقدم اقتراحات عن الطريقة التى يمكن بها بناء سفينة طائرة ،تكون أخف وزنا من الهواء ، إلا أن جميع تلك الأقتراحات وجدت غير عملية ، وبالتالى أسدل عليها ستار الأهمال ، وكان الحل الأخير الذى أمكن التوصل إليه عبارة عن حصيلة اكتشافين منفصلين الواحد عن الآخر ، كان الاكتشاف الأول فى عام 1766م ، عندما كان عالم الطبيعة الأنجليزى هنرى كافنديش Henry Cavendish يفحص خواص الأيدروجين ، إذ وجد أنه أخف من الهواء بمقدار 14 مرة .
البالون الأول :-
ولكن أهمية هذا الأكتشاف بالنسبة لمحاولات الطيران Aerostation بما هو أخف من الهواء ، لم يتم إدراكها إلا بعد ذلك بسبعة عشر عاما ، عندما تمكن الأخوان مونغولفييه Montgolfier ، بخيالهما الخصب ، من شق الطريق نحو اختراع البالون ، لاباستخدام الأيدروجين فى تعبئته ، ولكن بإستخدام الهواء الساخن ، كان جوزيف وإتيان مونغولفييه Joseph and Etienne Montgolfier ابنين لأحد كبار صناع الورق فى أنوني Annonay بالقرب من ليون Lyons ، وكانا مغرمين بدراسة العلوم .
وفى أحد الأيام ، استرعى انتباه جوزيف القوة الصاعدة التى تسببها النار ، وذلك عندما شاهد قطعا من الأخشاب والأوراق تتصاعد فى الجو ، فاتجه تفكيره فى مبدأ الأمر إلى أن السبب فى هذه الظاهرة قد يكون راجعا إلى بعض الغازات المجهولة ، وأنه إذا تمكن من حبس كمية من الأدخنة المتصاعدة فى كيس ، فإن الكيس قد يرتفع فى الجو .
وعندما وصل جوزيف بتفكيره إلى هذا الحد ، تملكه الحماس ، وأسرع بإشعال النار فى بعض الأوراق ، ووضع فوقها كيسا من الحرير مفتوحا من أسفله ، وقد تحقق ما تخيله جوزيف ، فإن الكيس انتفخ نتيجة تمدد الهواء الساخن ، وأرتفع إلى السقف .
وبعد عدة تجارب أقام الأخوان عرضا عاما فى شهر يونيه عام 1783م ، حضره جمع غفير ، ليشاهدوا فى دهشة منظر البالون المصنوع من الكتان المبطن بالورق ، وهو يرتفع إلى علو 2000 متر .
وعندما وصلت أنباء هذه التجربة إلى باريس ، تذكر عالم الطبيعة شارل موضوع الأيدروجين ، فأخذ يجرى التجارب على بالونات معبأة به ، بدلا من ذلك الغاز المجهول الذى تخيله الأخوان مونغولفييه .
وفى نفس الوقت ، كان الأخوان ينتقلان من نصر إلى نصر ، وفى يوم 24 سبتمبر 1783م ، قاما بعملية صعود رائعة فى فرساى أمام الملك لويس السادس عشر ، والملكة ، وأفراد البلاط ، وجمع غفير من الأهالى من جميع الطبقات والأعمار ، وكانت الإثارة فى تلك المناسبة الخاصة فى أن البالون الذى يبلغ ارتفاعه 22،5 متر ، كانت تتدلى منه سلة من الخوص المجدول ، تحمل خروف وديكا وبطة ، فكانت بذلك أول مخلوقات حية تطير فى الفضاء .
أول طيران للإنسان :-
كانت الخطوة التالية هى صعود الإنسان إلى أجواء الفضاء ، ولتحقيق هذا الغرض ، تم صنع بالون هائل ، ركب حول فتحته السفلى إناء من النحاس ، وثبتت حول قاعدته حافلة دائرية مصنوعة من الخوص المجدول ، لحمل طاقم البالون ، وكان البالون الرخو مثبتا بين صاريين ، إلى أن تم نفخه فوق نار أوقدت من الصوف والقش ، قم أوقدت النار فى الأناء النحاسى لكى يزل الهواء ساخنا ، ثم صعد أول طيار ويدعى بيلاتردى روزييه Pilatre de Rozier إلى الحافلة ، وانطلق البالون ليظل فى الجو أربع ساعات فى طيران مقيد بمعن انه ظل مقيدا فى الأرض ، وفى شهر نوفمبر من نفس العام ، أجريت أول رحلة جوية غير مقيدة ، قام بها المركيز دارلاند D Arlandes ، فطار فوق باريس لمدة خمس وعشرين دقيقة ، وكان ذلك إيذانا ببدء عصر الطيران ، كان الحماس بالغا أشده ، فاجتاحت أنجلترا وفرنسا موجة جنونية تحمسا للبالونات ، غير أن هذه الشعلة الحماسية الأولى أخذت تخمد فى أواخر عام 1785م ، وأخذ البالون الأيدروجينى العلمى يحل محل الون مونغولفييه .